الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قَالَ: وَمِنْهَا الْمُصَاهَرَةُ فَإِنَّهُ لَوْ جَرَتِ السُّنَّةُ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَكُونَ لِلْأُمِّ رَغْبَةٌ فِي زَوْجِ ابْنَتِهَا، وَلِلرِّجَالِ فِي حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ وَبَنَاتِ نِسَائِهِمْ، لَأَفْضَى إِلَى السَّعْيِ فِي فَكِّ ذَلِكَ الرَّبْطِ، أَوْ قَتْلِ مَنْ يَشِحُّ بِهِ، وَإِنْ أَنْتَ تَسَمَّعْتَ إِلَى قَصَصِ قُدَمَاءِ الْفَارِسِيِّينَ، وَاسْتَقْرَأْتَ حَالَ أَهْلِ زَمَانِكَ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَتَقَيَّدُوا بِهَذِهِ السُّنَّةِ الرَّاشِدَةِ، وَجَدْتَ أُمُورًا عِظَامًا وَمَهَالِكَ وَمَظَالِمَ لَا تُحْصَى، وَأَيْضًا فَإِنَّ الِاصْطِحَابَ فِي هَذِهِ الْقَرَابَةِ لَازِمٌ، وَالسِّتْرَ مُتَعَذَّرٌ، وَالتَّحَاسُدَ شَنِيعٌ، وَالْحَاجَاتِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مُتَنَازِعَةٌ، فَكَأَنَّ أَمْرَهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ أَوْ بِمَنْزِلَةِ الْأُخْتَيْنِ.قَالَ: وَمِنْهَا الْعَدَدُ الَّذِي يُمْكِنُ الْإِحْسَانُ إِلَيْهِ فِي الْعِشْرَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ جَدِيدٍ فِي التَّعَدُّدِ إِلَّا قَوْلَهُ فِي بَيَانِ حِكْمَةِ الْأَرْبَعِ: ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْبَعَ عَدَدٌ يُمْكِنُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، وَمَا دُونَ لَيْلَةٍ لَا يُفِيدُ فَائِدَةَ الْقَسْمِ، وَلَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ: بَاتَ عِنْدَهَا، وَثَلَاثٌ أَوَّلُ حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَمَا فَوْقَهَا زِيَادَةُ الْكَثْرَةِ، اهـ، وَقَدْ وَفَّيْنَا هَذَا الْمَقَامَ حَقَّهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الَّتِي تُبِيحُ التَّعَدُّدَ مِنْ ج4 ص282 وَمَا بَعْدَهَا ط الْهَيْئَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ.قَالَ: وَمِنْهَا اخْتِلَافُ الدِّينِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [2: 221]، وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مُفْسِدَةٌ لِلدِّينِ وَهِيَ تَخِفُّ فِي الْكِتَابِيَّةِ فَرَخَّصَ فِيهَا، وَتَقَدَّمَ إِيضَاحُ ذَلِكَ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ مُفَسِّرِي السَّلَفِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الْمُحَرَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ التَّنَاكُحُ مَعَهُمْ هُمُ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُشْرِكَاتُ مِنَ الْعَرَبِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ حِكْمَةِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَكُونَ عَرَبُ الْجَزِيرَةِ كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ فَشَدَّدَ فِي مُعَامَلَتِهِمْ مَا لَمْ يُشَدِّدْ فِي مُعَامَلَةِ غَيْرِهِمْ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْمَنَارِ.قَالَ: وَمِنْهَا كَوْنُ الْمَرْأَةِ أَمَةً لِآخَرَ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِينُ فَرْجِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَيِّدِهَا، وَلَا اخْتِصَاصُهُ بِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ التَّفْوِيضِ إِلَى دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يُصَدَّ سَيِّدُهَا عَنِ اسْتِخْدَامِهَا وَالتَّخَلِّي بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ تَرْجِيحُ أَضْعَفِ الْمِلْكَيْنِ عَلَى أَقْوَاهُمَا، فَإِنَّ هُنَالِكَ مِلْكَيْنِ: مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَمِلْكَ الْبُضْعِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَقْوَى الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْآخَرِ الْمُسْتَتْبِعُ لَهُ، وَالثَّانِي هُوَ الضَّعِيفُ الْمُنْدَرِجُ، وَفِي اقْتِضَابِ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى قَلْبُ الْمَوْضُوعِ، وَعَدَمُ الِاخْتِصَاصِ بِهَا، وَعَدَمُ إِمْكَانِ ذَبِّ الطَّامِعِ فِيهَا هُوَ أَصْلُ الزِّنَا، وَقَدِ اعْتَبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْأَصْلَ فِي تَحْرِيمِ الْأَنْكِحَةِ الَّتِي كَانَ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَعَامَلُونَهَا كَالِاسْتِبْضَاعِ كَمَا بَيَّنَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَإِذَا كَانَتْ فَتَاةً مُؤْمِنَةً بِاللهِ مُحَصِّنَةً فَرْجَهَا، وَاشْتَدَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى نِكَاحِهَا لِمَخَافَةِ الْعَنَتِ، وَعَدَمِ طَوْلِ الْحُرَّةِ، خَفَّ الْفَسَادُ وَكَانَتِ الضَّرُورَةُ، وَالضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، انْتَهَى.ثُمَّ ذَكَرَ كَوْنَ الْمَرْأَةِ مَشْغُولَةً بِنِكَاحِ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ، وَقَالَ فِي حِكْمَتِهِ: فَإِنَّ أَصْلَ الزِّنَا هُوَ الِازْدِحَامُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا، وَغَيْرِ قَطْعِ طَمَعِ الْآخَرِ فِيهَا.أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَيْضًا بِمَا شَرَعَهُ لَكُمْ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُوَافِقَةِ لِمَصَالِحِكُمْ وَمَنَافِعِكُمْ أَنْ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، أَيْ: طُرُقُهُمْ فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ، وَهِدَايَةِ الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ، كُلٌّ بِحَسَبِ حَالِ الِاجْتِمَاعِ فِي زَمَانِهِ، كَمَا قَالَ: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [5: 48]، وَإِنَّمَا كَانَ دِينُ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدًا فِي التَّوْحِيدِ، وَرُوحِ الْعِبَادَةِ، وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ بِالْأَعْمَالِ الَّتِي تُقَوِّمُ الْمَلَكَاتِ وَتُهَذِّبُ الْأَخْلَاقَ.ثُمَّ قَالَ: وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ، أَيْ: وَيُرِيدُ بِتِلْكَ الْأَحْكَامِ أَنْ يَجْعَلَكُمْ بِالْعَمَلِ بِهَا تَائِبِينَ مِمَّا سَلَفَ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَوَّلِ الْإِسْلَامِ، إِذْ كُنْتُمْ مُنْحَرِفِينَ عَنْ سُنَّةِ الْفِطْرَةِ تَنْكِحُونَ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ، وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ، وَلَا تُرَاعُونَ مَا فِي الزَّوْجِيَّةِ مِنْ تَجْدِيدِ قُرَابَةِ الصِّهْرِ، بِدُونِ تَنْكِيثٍ لِقُوَى رَوَابِطِ النَّسَبِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّوْبَةِ مَا هِيَ سَبَبٌ لَهُ مِنَ الْغُفْرَانِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمُ أَيْ: إِنَّهُ ذُو الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ الثَّابِتَيْنِ اللَّذَيْنِ تَصْدُرُ عَنْهُمَا أَحْكَامُهُ، فَتَكُونُ مُوَافِقَةً لِمَصَالِحِكُمْ وَمَنَافِعِكُمْ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ الْوَاسِعَ مُحِيطٌ بِهَا وَحِكْمَتَهُ الْبَالِغَةَ تَقْضِي بِهَا.وَقَوْلُهُ: {وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} قِيلَ: إِنَّهُ تَكْرِيرٌ لِأَجْلِ التَّأْكِيدِ، وَقِيلَ: إِنَّ التَّوْبَةَ فِيهِ غَيْرُ التَّوْبَةِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْأُولَى الْقَبُولُ، وَبِالثَّانِيَةِ الْعَمَلُ الَّذِي يَكُونُ سَبَبَ الْقَبُولِ، وَهُوَ تَكَلُّفٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَالصَّوَابُ أَنَّ التَّوْبَةَ الْأُولَى ذُكِرَتْ فِي تَعْلِيلِ أَحْكَامِ مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ، فَكَانَ مَعْنَاهَا أَنَّ الْعَمَلَ بِتِلْكَ الْأَحْكَامِ يَكُونُ تَوْبَةً وَرُجُوعًا عَمَّا كَانَ قَبْلَهَا مِنْ أَنْكِحَتِهِمُ الْبَاطِلَةِ الضَّارَّةِ، وَأَنَّ اللهَ شَرَعَهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ، ثُمَّ أَسْنَدَ إِرَادَةَ التَّوْبَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي جُمْلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ لِيُبَيِّنَ لَنَا أَنَّ ذَلِكَ مَا يُرِيدُ اللهُ تَعَالَى أَنْ نَكُونَ عَلَيْهِ دَائِمًا فِي مُسْتَقْبَلِ أَيَّامِنَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَيُقَابِلُهُ بِمَا يُرِيدُهُ مِنَّا مُتَّبِعُو الشَّهَوَاتِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: مَا جَعَلَ إِرَادَةَ التَّوْبَةِ عِلَّةً لِتِلْكَ الْأَحْكَامِ إِلَّا وَهُوَ يُرِيدُ ذَلِكَ دَائِمًا مِنْكُمْ لِتَزْكُوَ نُفُوسُكُمْ وَتَطْهُرَ قُلُوبُكُمْ وَتَصْلُحَ أَحْوَالُكُمْ وَيُرِيدَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا عَنْ صِرَاطِ الْفِطْرَةِ فَتُؤْثِرُوا دَاعِيَةَ الشَّهْوَةِ الْحَيَوَانِيَّةِ عَلَى كُلِّ دَاعِيَةٍ، فَلَا تُبَالُوا أَنْ تُقَطِّعُوا لِإِرْضَائِهَا وَشَائِجَ الْأَرْحَامِ، وَتُزِيلُوا أَوَاصِرَ الْقَرَابَةِ وَتَكُونُوا مِثْلَهُمْ، إِمَامُكُمُ الْمُتَّبَعُ هُوَ الشَّهْوَةُ، وَغَرَضُكُمْ مِنَ الْحَيَاةِ التَّمَتُّعُ بِاللَّذَّةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِمُتَّبِعِي الشَّهَوَاتِ أَهْلُ الْكِتَابِ، أَوِ الْيَهُودُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُمْ يَنْكِحُونَ بَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَكَذَا الْأُخْتُ لِأَبٍ كَمَا نُقِلَ، وَقِيلَ: الْمَجُوسُ، وَالْمُخْتَارُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِطْلَاقِ، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ.ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} إِذْ لَمْ يُضَيِّقْ عَلَيْكُمْ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ أَبَاحَ لَكُمْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ نِكَاحَ الْإِمَاءِ، بَلْ لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ قَطُّ، فَشَرِيعَتُكُمْ هِيَ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ كَمَا وَرَدَ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا لَا يَقْدِرُ عَلَى مُقَاوَمَةِ الْمَيْلِ إِلَى النِّسَاءِ وَلَا يَحْمِلُ ثِقَلَ التَّضْيِيقِ عَلَيْهِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ، فَمِنْ رَحْمَتِهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِ مِنْهُنَّ إِلَّا مَا فِي إِبَاحَتِهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ، وَمَعَ هَذَا تَرَى الزِّنَا يَفْشُو حَيْثُ يَضْعُفُ الدِّينُ حَتَّى لَا يَكَادَ النَّاسُ يَثِقُونَ بِنَسْلِهِمْ، وَحَتَّى تَكْثُرَ الْأَمْرَاضُ وَيَقِلَّ النَّسْلُ، وَيَسْتَشْرِيَ الْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ، وَقَدْ كَانَ الرِّجَالُ وَلَا يَزَالُونَ هُمُ الْمُعْتَدِينَ فِي هَذَا الْأَمْرِ لِقُوَّةِ شَهْوَتِهِمْ، وَشِدَّةِ جُرْأَتِهِمْ، فَهُمْ يُفْسِدُونَ النِّسَاءَ وَيَسْتَمِيلُونَهُنَّ بِالْمَالِ، ثُمَّ يَتَّهِمُونَهُنَّ بِأَنَّهُنَّ الْمُتَصَدِّيَاتُ لِلْإِفْسَادِ، وَيَحِجْرُ وَاحِدُهُمْ عَلَى امْرَأَتِهِ وَيَحْجُبُهَا، وَيَحْتَالُ عَلَى إِخْرَاجِ امْرَأَةِ غَيْرِهِ مِنْ خِدْرِهَا! وَهُوَ يَجْهَلُ أَنَّ الْحِلْيَةَ الَّتِي أَفْسَدَ بِهَا امْرَأَةَ غَيْرِهِ هِيَ الَّتِي يُفْسِدُ بِهَا غَيْرُهُ امْرَأَتَهُ، وَأَنَّهُ قَلَّمَا يَفْسُقُ رَجُلٌ إِلَّا وَيَكُونُ أُسْتَاذًا لِأَهْلِ بَيْتِهِ فِي الْفِسْقِ، وَمِنْ حِكَمِ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «عِفُّوا تَعِفَّ نِسَاؤُكُمْ، وَبَرُّوا آبَاءَكُمْ تَبِرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَالدَّيْلَمِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِمَعْنَاهُ، عَلَى أَنَّ فِي الرِّجَالِ الْفَاسِقِينَ، وَالْمُتَفَرْنِجِينَ الْمَارِقِينَ مَنْ مَرَدُوا عَلَى الْفِسْقِ وَصَارُوا يَرَوْنَهُ مِنَ الْعَادَاتِ الْحَسَنَةِ، فَخَزِيَتْ عِفَّتُهُمْ وَزَالَتْ غَيْرَتُهُمْ، فَهُمْ يَعُدُّونَ الدِّيَاثَةَ ضَرْبًا مِنْ ضُرُوبِ الْكِيَاسَةِ، فَيُسْلِسُونَ الْقِيَادَ لِنِسَائِهِمْ، كَمَا يُسْلِسْنَ الْقِيَادَ لَهُمْ، وَذَلِكَ مُنْتَهَى مَا تُطِيقُهُ الرَّذِيلَةُ مِنَ الْجُهْدِ فِي إِفْسَادِ الْبُيُوتِ بِتَنْكِيثِ قُوَى الرَّابِطَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَجَعْلِهَا وَسِيلَةً لِمَا هِيَ فِي الْفِطْرَةِ وَالشَّرِيعَةِ أَشَدُّ الْمَوَانِعِ دُونَهُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْحِصْنُ لِلْمُرْتَبِطِينَ بِهَا مِنْ فَوْضَى الْأَبْضَاعِ، وَالْحِفَاظِ لِمَا فِيهِ هَنَاءُ الْمَعِيشَةِ مِنَ الِاخْتِصَاصِ.أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ثَمَانِي آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ هِيَ خَيْرٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ، وَعَدَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ: يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: ضَعِيفًا وَالرَّابِعَةُ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [4: 31]، وَالْآيَةُ الْخَامِسَةُ: {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [4: 40]، وَالْآيَةُ السَّادِسَةُ: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [4: 48]، إِلَخْ، وَالسَّابِعَةُ: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} [4: 110]، إِلَخْ، وَالثَّامِنَةُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} [4: 152]، إِلَخْ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى. اهـ.
|